قصة طريفة وراء المشروع!

هذا المشروع له قصة طريفة، فقد كنتُ أدرِّس مقرر التكشيف والاستخلاص للفرقة الثالثة في العام الدراسي2009 - 2010 وكانت هذه هى المرة الأولى التي ألتقي فيها بهذه الدفعة التي اكتشفتُ أن معظم طلابها مشاغبون بشكل لافت للنظر، وكالعادة حاولت استخدام كل الطرق التربوية والنفسية، والخبرات التعليمية التي اكتسبتها عبر السنين لأستطيع تحويلهم إلى طلاب علم، ومن ثم  إفادتهم من هذا المقرر ليس فقط لاجتياز الامتحان، وإنما للحياة العملية بعد التخرج ..... إلا أن كل محاولاتي وطُرُقي وخبراتي لم تُجدِ شيئاً!
ولم يكن هذا هو رأيي وحدي في هذه الدفعة فقد سمعتُ عنهم من زملائي بالقسم، وكنت أظن أنني سوف أستطيع أن أفعل شيئاً لتغيير هذا الوضع، ولكني لم أستطع، فشعرت بالإحباط، ومن ثم فكرت في الاعتذار عن التدريس لهذه الدفعة التي بدا لي أنني لن أستطيع إفادتها.
وقبل أن أتوجه للأستاذة الدكتورة غادة لأعتذر، خطر ببالي أن اعتذاري هذا ما هو إلا انسحاب، والانسحاب فشل، فلو انسحبتُ هذه المرة، فكيف يمكنني أن أفعل مع الدفعات القادمة التي تتصف بمثل أوصاف هذه الدفعة؟!!
إذن الانسحاب ليس هو الحل، ولابد من تغيير الاستراتيجية!
ففكرتُ  أن أصنع من الليمون اللاذع شراب ليمون لذيذ ومنعش، من خلال تفجير الطاقات الكامنة لهؤلاء الشباب - وخاصةً الذكور الذين كانوا أكثر أفراد هذه الدفعة شغَباً - واستغلالها فيما يعود بالنفع عليهم، وعلى مجتمع الباحثين والدارسين - المحلي والعالمي -بما تحتويه هذه الدوريات من كنوز علمية.
وقررتُ أن اتحدث إليهم عن أهمية التكشيف ومدى نفع هذه المهنة النادرة  لهم في الحياة العملية وكيف يمكنهم أن يساهموا معاً في عمل مشروع تكشيف دوريات كليات جامعة الإسكندرية نتيحه عبر الإنترنت بأسمائهم، وكيف انهم سيحصلون على شهادات تعينهم على العمل كمكشفين في المستقبل، فانبهروا بالفكرة.
وبعد ذلك عرضتُ الفكرة على الأستاذة الدكتورة غادة عبدالمنعم، فإذا بها ترحب بها، وتطلب المبادرة إلى البدء بالمشروع؛ وكان لابد من استئذان عميد الكلية: الأستاذ الدكتور/ أشرف فراج، فإذا به يرحب أيضاً بالفكرة، ويأمر بسرعة إصدار خطابات رسمية لكل عمداء كليات الجامعة للحصول على تصريحات لدخول الطلاب ومشرفيهم إلى الكليات من أجل تكشيف الدوريات.
وكانت المفاجأة أن هؤلاء الطلاب أقبلوا بهمة ونشاط على العمل، أما الذكور من الطلاب فكانوا مُدهشين في الالتزام، خاصة وأنني أرسلتهم جميعاً لتكشيف دورية كلية التربية الرياضية للبنين التي تقع بضاحية أبي قير، وكنت أظن أنهم سيتكاسلون بسبب بُعد المسافة عن الإسكندرية!!!!
لقد تحولَت الدفعة المشاغبة إلى دفعة ملتزمة ومُنتجة، وكنا نلتقي كل محاضرة لنناقش ما يتطرق إليهم من أفكار ونجد حلولاً لما يواجههم من مشكلات، حتى انتهى الكشاف بحمد الله تعالى وتوفيقه!!!!
والجميل أن الطلاب كانوا يعملون في مجموعات تحت إشراف المعيدين والمدرسين المساعدين وبعض طلاب الماجستير المتطوعين، وأيضاً بعض المتفوقين من طلاب الدفعة وكان فريق العمل متناغماً، وكان الجميع سعداء بالتجربة - التي لم تخلُ من بعض المعوقات والصعوبات بطبيعة الحال -  حتى منَّ الله تعالى علينا وانتهى الكشاف.
وفي نهاية العام الدراسي كان لابد من الوفاء بالوعد، فأقام القسم - بحضور الأستاذة الدكتورة غادة عبد المنعم والسادة الزملاء بالقسم  - احتفالاً بهذا الإنجازالعظيم ، وتحدثنا فيه عن فخرنا بهذا الإنجاز وبمن قاموا به وقمنا بتوزيع الشهادات المعتمدة التي تفيد ما قاموا به، وكانت سعادة الطلاب لا توصف؛ وكانت سعادتنا نحن أعضاء هيئة التدريس لا تقل عن سعادتهم!
إلا أن هذا لم يكفيني فقد كنتُ أرغب في المزيد من مكافئتهم تحفيزاً لهم على المزيد من التقدم نحو الجدية والإنتاج، فقررتُ أن أهدي إلى هذه الدفعة  كتاب الببليوجرافيا الذي ألفتُه ذلك العام، وقمتُ بتدريسه  لهم في العام الدراسي المقبل، حيث كتبتُ في مقدمته إهداء إلى هذه الدفعة التي أدهشتني بالتزامها وجدها واجتهادها - وخاصةً الذكور منهم - بعد ان كنتُ قد فقدت الأمل فيهم، وشكرتهم لأنهم علَّموني أنه لا يأس مع الحياة، وأن لكل مشكلة حل مناسب؛ وأن هؤلاء الشباب لم يكونوا مشاغبين بقَدرما كانوا محتاجين لمن يفهمهم ويمد لهم يد العون ويتيح لهم الفرصة لإثبات الذات!
وقد كان لهذا الإهداء أبلغ الأثر في نفوسهم فرأيناهم في الفرقة الرابعة وكأنهم وُلدوا من جديد!!!!
 فالحمد لله الذي أعانني على ذلك وشكراً لكل من ساعد وساهم  من أجل إخراج هذا العمل إلى النور - الذي تأخر ظهوره لأسباب عديدة منها الوقت المبذول في مراجعته -  والذي نتمنى أن يكون ذا فائدة للباحثين والدارسين في شتى التخصصات .
وجدير بالذكر أنه قد تعذر تكشيف دورية كلية الطب البيطري بالجامعة لوقوعها بإدفينا (محافظة البحيرة)؛ كما أن كلية التربية النوعية بالجامعة ليس لها دورية .
مع تحياتي،
مدير المشروع/ د. أماني الرمادي
أستاذ علم المكتبات المساعد بقسم المكتبات والمعلومات، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية